الوقت والسيف ومعركة المحارب

The two most powerful warriors are patience and time. ~Leo Tolstoy
المحاربان الأكثر قوة هما الصبر والوقت. ~ ليو تولستوي

إذا أردت أن تتخيل الوقت على أنّه جسم مادّي فما هو الشكل الذي ستعطيهِ إياه؟

سألت هذا السؤال لمجموعة من الأصدقاء أعرفهم، فكانت الإجابات أغلبها متشابهة.

الأغلبية يجيبون بأنهم سيتخيلون الوقت على أنه ساعة تصدر صوت مزعج وطنان طوال الوقت، وبعضهم شبّه الوقت بأنه عملة نقدية ثمينة ننفقها كل يوم حتى نفلس.

بالعموم كانت الإجابات أغلبها رتيبة ومتشابهة وذات نسق محدد وهذا يرجع لبعض العبارات الرنانة التي تأتي عادة في وصف الوقت.
بعد الاستماع لإجابات أصدقائي قمت بإعادة توجيه هذا السؤال إلى نفسي وشرعت بالتفكير في إجابة مناسبة...

في خلال الوقت الذي كنت أبحث فيه عن إجابة مناسبة؛ كان هناك اجتماع طارئ قد عُقِد بداخل رأسي يضم مجموعة من الخلايا العصبية الدماغية المسؤولة عن التفكير وكانت مجريات الاجتماع كالآتي:

the brain cells meeting 001 the brain cells meeting 002 the brain cells meeting 003 the brain cells meeting 004 the brain cells meeting 005 the brain cells meeting 006 the brain cells meeting 007 the brain cells meeting 008 the brain cells meeting 009 the brain cells meeting 010

استمرّ هذا النقاش لساعات طويلة وفي النهاية انتهت "الخلايا العصبية الدماغية المسؤولة عن التفكير" بعد جهد جهيد إلى أنّ الحكمة العربية القديمة التي تُنسب للإمام الشافعي كانت:
"الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك".
وهذا يعني أن الوقت نستطيع تصويره بسيف ذو حدّين يمكن استغلاله فيما يفيد أو إهداره فيما يُفسد.

على أية حال، دعونا الأن نضع المقولة المنسوبة للشافعي هذه تحت المجهر قليلاً ونبدأ في تحليلها بشكل من التفصيل.

أولاً: نوع المحارب

في البداية تقول لنا الحكمة أنّ الوقت كهذا السيف:

sword-of-time

هذا السيف هو سلاح وأداة حرب مثل أي أداة أخرى، يمكننا استغلاله لبلوغ الأشياء التي نبتغيها أو يمكننا إهماله وعدم الإستفادة منه.
ولأن السيف هو أداة معركة فإنه ليس ثمة هناك سيف من دون محارب ولا يوجد كذلك محارب من دون معركة...
في هذه التدوينة سيكون كل فرد فينا هو المحارب، وسيكون سيفنا وسلاحنا هو الوقت، وستتقمص حياتنا دور المعركة.
والأن رحّب معي بنفسك، هذا المحارب الوسيم صاحب عضلات الـ (six-pack) في هذه التدوينة هو أنت:
knight

نأتي إلى الشطر الثاني من الحكمة وبعد كلمة "الوقت كالسيف" يستمر ويقول "إن لم تقطعه قطعك" ليتبيّن لنا هنا جليّا أنه ثمة هناك نوعان من المحاربين ولكل محارب الخيار فيما سيختار
الخيار الأول هو هذا:
knight

knight

knight

هذا الخيار أحب أن أسميه خيار "الرجل المحارب العظيم"، رجل استل سيفه ليستخدمه في تحقيق رغباته و"ليقطع" به كل عقبة تواجهه في طريقه،
ليحارب به أعدائه ببسالة عارمة وشجاعة لا نظير لها بغض الطرف عن رغباته وطموحاته إن كانت شريفة أم لا، ففي النهاية الفروسية والشجاعة ليست حكراً على النبلاء إنما صفات يجب الإعتراف بها على من يستحقها

وهذا الخيار في الحياة الواقعية يمثل لنا الرجل الحكيم الذي يتصرّف كمحارب عظيم ليستخدم وقته (الذي نمثله هنا بالسيف) ليستفيد منه ويستعمله في تحقيق أهدافه وإزالة كل العقبات التي تحول بينه وبين رغباته.

هذا الخيار هو أن تسهر، تعمل، تحاول، وتفشل. ثم تعيد الكرة حتى آخر لحظة في حياتك مثل المحارب العظيم تماماً لا ينثني ولا ينسحب من ميدان المعركة حتى لو طعن ألف مرة، محارباً بسيفه حتى يُكسر وحياته حتى يموت.

أما الخيار الثاني لدينا فهو ذلك الرجل المسكين الذي أخرج سيفه من الغمد فقطع به نفسه
أحب أن أسميه نوع "الرجل المثير للشفقة الذي قطع نفسه".
في العادة يسير معه الأمر على هذا النحو:

knight

knight

knight

قد لا يقتصر الأمر على هذا إنما قد تحتاج لدفع بعض المال كذلك...
knight

knight

knight

في الوهلة الأولى عندما تلقي نظرة على سيناريو نوع "الرجل المثير للشفقة" ستجد أن هذه القصة مسلية ولكنها غير منطقية، متجر خدمات للتقطيع، تسعيرة للتقطيع!؟ والأدهى من هذا كلّه لماذا قد يقطع أحدهم نفسه ولِما أصلا قد يدفع مالاً لقاء ذلك؟
هذه اللامنطقية لتوضيحها سنضع لها بعض الإسقاطات أولاً:
يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى "يا ابن آدم إنما أنت أيام، كلّما ذهبَ يوم ذهب بعضُك" أي أننا جميعاً نمتلك بعض الأيام المعدودة كل يوم يذهب يذهب معه بعضنا، وإذا قام أحدهم بإهدار يومه فكأنه قد قطع جزء من جسده وتخلَّى عنه ورماه!

في الخيار الثاني "سيناريو الرجل المثير للشفقة" يمثّل لنا الرجل الأهبل المتهور الذي يقوم بإهدار وقته والذي يقطع أجزاء من نفسه ويهدرها في اللامفيد، إذ أنه تخلّى عن المعركة وانسحب.
وطبعاً إهدار الوقت وتضييعه قد يكون في أحسن الأحوال ثمنه ذلك الوقت المهدر فقط، ولكن في بعض الأحيان قد نضطر لوضع بعض الجنيهات للحصول على تقطيع أفضل!

لا أحد يستغرب فالموضوع ليس بهذه الغرابة، إذا أراد أحدكم النظر إلى "الرجل المثير للشفقة" عن كثب وهو يدفع للتقطيع فليبحث عن عدد المرات التي قد يقوم فيها أحدهم بتجديد اشتراك الـ bein sport ليتابع فقط عدة ساعات من المباريات ويشاهد العديد من التحليلات ناهيك طبعا عن النقاشات الطويلة والصراعات التي تتدارس في ما إن كان هدف ليفاندوفسكي الذي سجّله هدف تسلل أو لا.

أو بإمكانكم النظر إلى عدد ساعات المسلسلات وحلقات الـ anime وأفلام السينما التي قد يشاهدها أحدهم في حياته حتى الآن، هل شاهدها عن طريق الأشرطة والسيديهات التي قام بشرائها، أم عن طريق الانترنت الذي يدفع اشتراكه شهريا؟
أنا عن نفسي عندما أجريت بعض الحسابات لإجمالي عدد الساعات التي شاهدتها وإجمالي المبلغ المالي الذي صرفته فيها توصلت إلى أرقام مريعة أخجل حتى أن أشاركها هنا...

طبعا لا أريد التفاخر أبدا من هذا المنبر أني شاهدت الكثير من الحلقات بشكل مجاني بالكامل أو مقرصن فأنا في النهاية لم أحصل إلا على" تقطيع مجاني" أعتبره من الخدمات التجريبية المجانية التي تقدمها الحياة … كنوع من التسويق يعني.

ثم اذهبوا ناحية المقاهي (القهاوي) المكدسة بالبشر وستجد العديد والعديد (وأؤكد هنا أنهم أكثر حتى من عدد سكان البلاد) من من أفنى حياته على كرسي الأرقيلة أو على طاولة ألعاب الورق و(البرتوش كوبه) أو في الهداريز وأحاديث النميمة بالساعات وبشكل يومي ومتواصل ونمطي وسردي ومتسلسل، لتشاهد أروع مجزرة تقطيع جماعي كنت قد رأيتها في حياتك، وأروع إهدار للساعات والأيام والحياوات يدفعون هم ثمنه مالاً ووقتاً.

وغيرها طبعاً الكثير والكثير من الامثلة الشبيهة بسيناريو النوع "الرجل المثير للشفقة" الذي كنا نشاهده يدفع مالاً منذ دقيقة والذي إتضح لنا جليا أنَّ أغلبنا ينتمي إليه.

الترفيه عن النفس ووقت الفسحة أمر جد ضروري ولولا الترفيه والسمر لمات الناس همّاً وضغطاً، ولكن لكل شيء حدود وما إن يتعدى أحدهم هذه الحدود فلن يصبح الترفيه ترفيهاً ولا التفسّح فسحة، وسيدخل هذا الشخص في مرحلة إدمان جديدة أحب تسميتها "بإدمان التقطيع".

في الحقيقة ولحسن الحظ أننا لا نستطيع أن ننتمي لنوع الرجل المثير للشفقة دائماً ولا يمكننا أيضاً أن نصبح من نوع الرجل المحارب العظيم بشكل متواصل، إنما الأمر في تباين شديد والبشر بين ذاك وذاك، وإن كان من هو مِن أحد النوعين على الدوام موجوداً فهذا أبداً لا ينكر علينا التباين الحاصل.
يمكننا توضيح هذا التباين عن طريق هذا الشريط:

knight

يشبه هذا الشريط سلّم الأعداد الحقيقية ويبّين لنا التدرج المتباين بين النقيضين المختلفين، "الرجل المحارب العظيم" في جانب و"الرجل المثير للشفقة" في الجانب الأخر،

ويمكننا من هذا الشريط تصنيف أنفسنا فوقه حسب عدد الساعات التي نستفيد منها وتلك التي نضيعها
ويكون موقعك فوق هذا الشريط مرتبطا بعدد المرات التي قطّعت فيها العقبات وعدد المرات التي تقطّعت فيها، فإن كان للتقطيع النصيب الأكبر فأنت حتما تميل للجهة اليمنى وإن كنت مِمَّن يُقطَّعون على الدوام فمرحباً بك معي في الجهة اليسرى أيها المثير للشفقة.

لنزيد العيار قليلاً دعونا نقم بتمثيل المجتمع بالكامل فوق هذا الشريط، سنحتاج في البداية لإضافة محور ثانٍ يمثل عدد البشر بالنسبة لكل مرحلة من مراحل شريط التباين وعند إضافة هذا المحور ستتكوّن لدينا 3 مساحات مهمة تخبرنا بأن المجتمع يتكون من 3 فئات رئيسية،

في المساحة التي بأقصى اليمين (لخضراء) تمثّل لنا فئة البشر الناجحين والمحاربين العظماء أما المساحة الرمادية التي في الوسط فهي لفئة البشر متوسطي الإنتاج وذوي التأثير المتوسط، وأخيراً المساحة الحمراء التي باليسار هي لفئة الناس المتعثرين (أحاول تجنب كلمة فاشلين هنا).

knight

هذا المحور يحتاج الآن إلى منحنى، والمنحنى (حسب رأيي هنا وهذا غير مبني على أي دراسة أجريت إنما فقط اجتهاد شخصي وأخذاً برأيي ونظرتي الخاصة للمجتمع) نستطيع إضافة المنحنى الجرسي المعياري المستخدم في أغلب العمليات الإحصائية التباينية لتتشكل لنا هذه النتيجة التي من المفترض أنّها تحاكي لنا التباين الظاهري بين نوعي "الرجل المحارب العظيم" وبين "الرجل المثير للشفقة" في أغلب مجتمعاتنا.

knight

هذا المنحنى هو بحسب رأيي، وبطبيعة الحال هو عبارة عن كلام افتراضي لم يٌسند على أي دراسة علمية أو إحصائية موثقة، لذلك قد نجد من يرى أن المنحنى الذي يعبّر عن المجتمع هو منحنى آخر وهذا حسب كل شخص ونظرته، قد نجد مثلا في بلد معيّن يتفشى فيه الخمول والجهل رأس المنحنى الخاص به يميل إلى اليسار والعكس صحيح للمجتمعات النشيطة والمنتجة .

بغض الطرف عن شكل المنحنى فالمهم هنا ليس هو المنحنى، إنما المهم هو أنت.

السؤال الذي يجب أن نجيب عنه: في أي جانب من جوانب هذا الشريط نقف وفي أي فئة من فئات المجتمع ننتمي؟

نعود إلى موضوعنا الرئيسي:
بجانب النوعين "الرجل المحارب العظيم" و"الرجل المثير للشفقة" هناك فئة ثالثة رمادية تقع في بقعة مشتركة بين الاثنين، فإذا مثّلنا نوع الرجل المحارب العظيم بدائرة زرقاء والرجل المثير للشفقة بالدائرة حمراء،

knight

فستتولّد لدينا منطقة ثالثة سأسميها بمنطقة "الرجل المحارب المثير للشفقة"

knight

هذه المنطقة المظلمة أو هذا التصنيف هو شيء غير مفهوم يستعصي عليّ دائما فهمه ودائما ما يصيبني بالحيرة.

لأقرّب لكم الصورة أكثر تخيلوا معي لبرهة صورة فارس محارب مفتول العضلات يرتدي ذرعه اللمّاع المصقول من الفضة واقفاً بوضعية محارب مستعد للقتال، وبحركات سينيمائية لا مثيل لها يقوم فيها باستلال سيفه من الغمد ليشهره عالياً في السماء ولا ننسى طبعا إنعكاس الشمس الرائع والظلال التي تخفي بعض ملامحه الشرسة، وفي أوّج كل هذا البهاء وهذا المشهد الشرس وبصرخة وحش هي أشبه بزئير الأسود يجلس باعتدال أمام طاولة المطبخ مرتدياً مئزراً وردياً ويشرع بتقطيع الطماطم ثم الخيار فمن ثم الجزر، باستخدام سيفه ليعد لنا سلطة لذيذة…

هذا المزيج من النوعين "الرجل المحارب المثير للشفقة" هي فئة من الناس التي تستخدم الأداة الخطأ في الوظيفة الخطأ يستعملون أوقاتهم في أشياء قد تبدو من الوهلة الأولى مفيدة لكنها ليست في مكانها المناسب.
طالب جامعي على سبيل المثال في أسبوع امتحاناته النهائية قد تجده يدخل في منطقة "الرجل المحارب المثير للشفقة" عندما لا يستغل أيامه الأخيرة في المراجعة والدراسة إنما يقوم بإهدار وقته الثمين في أشياء "مفيدة"، ولكنها أقل أهمية من الدراسة كأن يقوم بغسل وتنظيف سيارة والده بدلاً من أن يفتح كتابه ذو الألف صفحة، أو قد تجده يدرس في ليلة الامتحان ولكن في أجزاء الغير مقررة من المنهج (مثل ما حدث معي مرة).

وغيرها الكثير من الأمثلة التي تحاكي منطقة "الرجل المحارب المثير للشفقة" في عدم اتزان الأولويات وتقديم "المفيد الغير مهم" على "المفيد بالغ الأهمية". وهذه اللامنطقية في اتخاذ الأولويات سيسبب بدوره في إهدار الكثير والكثير من الوقت من دون تأنيب ضمير فعّال.

عندما استعنت بـ "الخلايا العصبية الدماغية المسؤولة عن التفكير" مرة أخرى وحاولت تفسير هذه الظاهرة بحسب رأيي استنتجت أننا نحن البشر نمتلك في دواخلنا النوعين من الأنفس معاً، في الجانب الأول نمتلك نفسية الرجل المحارب العظيم الذي لا طالما يدعونا لاستغلال الوقت في المفيد مستخدما الحجة والمنطق والبرهان، وفي الجانب الأخر توجد نفسية المثير للشفقة الذي يدعونا بدوره لإضاعة الوقت في الغير مفيد بشكل متواصل مستخدما جوائز فورية ولحظية مثل الدوبامين والسيروتونين والمغريات الأخرى.

ويستمر هذا الصراع بين الجانبين بشكل سرمدي ولا نهائي والهدف الوحيد هنا هو إقناعك بأحد الجوانب ليبدأ الطرف الآخر في المحاولة في استجلابك وإعادتك بجانبه وهكذا تستمر المعركة حتى النهاية…

ولكن أحيانا قد لا تستمر المعركة طويلا ويحدث ما لا يحمد عقباه، في بعض الحالات قد نتفاجأ بأن نجد أن طرفا النزاع قد توقفا عن العراك ودخلا في تفاهمات دبلوماسية وجولات من الحوار والمفاوضات التي تنتهي غالبا إلى أن يتفاهما على إنشاء منطقة حفظ للسلام مشتركة والتي سبق وأن سميناها بمنطقة "الرجل المحارب المثير للشفقة".

وبسبب هذه المنطقة ولأن "في الاتحاد قوة" سنجد أنفسنا (وهذا ما يحدث فعلا) في أوقات الامتحانات والأوقات بالغة الأهمية سبّاقين إلى الخير، تواقين للفضيلة وميّالين إلى التفكير في المشاريع المستقبلية وتساورنا رغبة جامحة لفعل كل شيء تقريباً، أما في أوقات الرخاء سرعان ما ينقلب بعضنا إلى كسالى وتذهب كل تلك العزيمة والمخططات المستقبلية وكأنها لم تكن!

على أية حال، تجنُّب هذه المنطقة وعدم الإنجرار إليها ليس بالأمر الصعب، فقط يكمن السر وراء ترتيب الأولويات وتنظيمها بحيث يكون الأهم هو الأولى بالوقت ثم الأقل أهمية ثم الذي يليه.

ثانيا: الهدف من المعركة

في المعارك يجب على الجميع أن يدرك أنه ثمة فرق شاسع بين الرجال الأخيار الصالحين وبين تصنيف "الرجل المحارب العظيم" الذي تحدثنا عنه، ففي عالمنا الواقعي في الماضي والمضارع ثمة الكثير من الرموز البارزة التي نستطيع تصنيفها من نوع "الرجل المحارب العظيم" بامتياز ولكننا في الوقت ذاته نفشل في ضمّها في قائمة الرموز الخيرة والصالحة.

أدولف هتلر كأبسط مثال من الإنصاف اعتباره على فئة الرجال المحاربين العظماء، هذا بكونه سفاح مشعل للحرب وظالم وعنصري حتى النخاع وقاتل للملايين، وعلى الرغم من كل هذا فإن هذا التصنيف الذي ابتكرته ليس له علاقة فعلية بمدى الخير والصلاح الذي يمتلكه أحدهم، إنما هو تصنيف تبايني يقيس مدى قابلية أحدهم في إهدار الوقت واستغلاله.

فنجد أدولف هتلر هذا يقضي وقته إما في تحشيد الناس بخطابات نارية في الساحات وفي الإذاعات أو في اجتماعاته الحزبية أو في رسم المخططات العسكرية وغيرها من النشاطات التي تصب في مصالح حزبه وفي أهدافه التي رسمها لنفسه،
فنجده مثل المحارب الشجاع يحارب بسيفه العقبات التي تواجهه وتعرقله للوصول إلى مآربه، لكن هذا المحارب قد اختار المعركة الخطأ.

في المقابل قد نجد من هو حسن النية والأخلاق واسع المدارك والرؤى لا يفعل شيئاً أبداً فقط يكتفي بمشاهدة المعركة وسيفه في الغمد تاركاً ميدان المعركة لشرار النفوس وأصحاب النوايا السيئة (وهذه هي الخسارة الكبيرة).

ويكمن الفرق هنا في "الهدف من المعركة"، أدولف هتلر هذا برغم كونه محاربا شرسا إلا أنّ هدف معركته كان خاسراً منذ البداية، وكانت معاركه فقط لأجل حزبه وعرقه ونفسه والنتيجة كانت انقراض حزبه ومجازر في أبناء عرقه مما أدى إلى انتحاره برصاصة لمّا وجد كل ما حارب لأجله انتهى وسقط.

أن تكون محاربا عظيما أمر جليل ومهم، ولكن محارب في أي معركة؟ وتحارب ماذا؟ ولماذا؟ الاجابة على هذه الأسئلة هنا هو مربط الفرس والمقصد.
"الهدف من المعركة" لا يحدد أبداً مكان المحارب فوق شريط التباين ولكنه يحدد مكانته في الآخرة وهو فعلاً يحدد ما إذا كان المحارب إنساناً صالحا مؤمن بالله أم لا.

عموماً أنا لست هنا لممارسة فن التنظير عليكم ولا لإلقاء نصائح أنا أحوج إليها منكم فقط أود أن أقول لكم:
اجعلوا للآخرة نصيباً من أهدافكم.

على ذكر المعارك ننتقل هنا إلى المرحلة الأخيرة من هذه التدوينة:

ثالثاً: سلاح المعركة

يتكون في العادة ميدان المعركة ذو المنظور الفردي من 3 عناصر رئيسية مهمة بنينا عليها أجزاء هذه التدوينة

الأول وهو نوع المحارب والذي سبق وأن تكلّمنا عنه بإسهاب في بداية المقال.
الثاني هدف المحارب من المعركة وهذا الذي يحدد ما إن كان المحارب محارباً جيداً وخيرا ومفيدا لباقي المسلمين والناس أو مجرد نازي أناني آخر مثلما أشرنا آنفا.
وأخيرا سنناقش هنا سلاح المعركة الذي نستخدمه.

لكل محارب سلاح يقاتل به، وفي معترك حياتنا سلاحنا هنا هو الوقت، المحارب القوي يعرف سلاحه جيداً، يتقن استخدامه ويعلم ميزاته،
لنعرف سلاحنا يجب أن نبسطه، نعبر عنه ونحاول أن نعدّه ونحصيه، يجب أن نتساءل كم من الوقت المتبقي لنا، إلى متى سنعيش وماذا فعلنا فيه؟
ولإدراك جريان الوقت سأستعرض لكم هنا الوقت بشكل غير مألوف قليلاً.

في البداية لنتصور الوقت على شكل دوائر،
يوجد لدينا العديد من الدوائر وكل دائرة تمثل لنا شهراً كاملا من الوقت ، 30 يوم ، 720 ساعة أو 43،200 دقيقة، علماً اننا في فترة هذه الدائرة تحديداً نتنفس أكثر من نصف مليون نفس (648،000 نفساً بمعدل 15 نفس في الدقيقة) وننام فترة 120 ساعة تقريباً ونقضي فيها الكثير من المصالح والمشاغل
هذه الدوائر هي أجزاء من سيف كل فرد فينا
المخطط التالي يمثِّل لنا 100 سنة من الأشهر في الغالب سنعيش منها بين الـ 60 والـ70 فقط.
(صدقني إذا عشت أكثر من 70 سنة فأنت محظوظ للغاية، وإن بلغت المئة سنة فسيدخل اسمك في الجرائد بلا ريب)

خذ نفسا وتأمل معي قليلاً ثم ألقي الآن نظرة على شريط حياتك:

knight

يمثل لنا هذا المخطط عدد الأشهر التي قضيناها ويصور لنا مجموعة من الأشهر التي قد نعيشها أو قد لا يحالفنا الحظ لبلوغها، ليخبرنا بأن الوقت كمية محدودة وأن كل شهر يمضي تمضي معه دائرة من هذه الدوائر بلا رجعة وتمضي معه حياة وتمضي معه ذكريات وأفكار ومراحل وقد يرحل أيضا مع هذه الدوائر أشخاص وأحباب وأقارب

ثمن هذه الدوائر المعدودة هو ثمن باهض جداً لن يدرك أحد ثمنه الحقيقي، هناك مثل شعبي معناه "الذي تفقده يغلو" الوقت لدينا متوفر ولم يفقده أحد بعد، لهذا قيمته لن تغلو حتى نفقده ولن نفقده حتى نموت!

المفارقة هنا صعبة قليلا، فمثلاً في مسابقة ما كنت مشاركاً فيها وانتهت بعدم فوزك في العادة ستذهب وتتحسر وتندم على الكثير من الأشياء، لما فعلت كذا ولما لم تفعل هذا، ولكن الأوان كان قد فات والندم لن ينفع.

الموضوع مخيف جداً والتفكير فيه مقلق وعندما تشاهد نفسك القديمة من هذا المنظور وتجده يقضي وقته في البحث عن متاجر بأسماء غريبة في خرائط قوقل أو يشاهد في لقاء مع والدة حمو بيكا على اليوتيوب فصدقني ستصفع جبهتك المتعرقة بنظرة وكأنها تقول (لقد تملّحت).

على أية حال لنعد لموضوعنا، يمكننا أيضاً استعمال المخطط المئة سنة السابق في تمثيل مجموعة من البيانات بطريقة مثيرة للاهتمام،
يمكنك على سبيل المثال استخدامها لعرض أهم تواريخ الوقفات التي غيّرت مجرى حياتك أو يمكنك تعبئتها بالمناسبات المهمة والتاريخية التي عاصرتها كطريقة للاستذكار والتوثيق أو عن طريق تمييز الأشهر التي توفيت فيها بعض الشخصيات المقربة منا وغيرها الكثير والكثير من الطرق التي تستطيع تنفيذها على هذا الجدول.

إليكم مثلا بعض الأمثلة التي قمت بإعدادها:
في هذا الجدول قمت بملئه ببعض مراحل الحياة التي قد تمر على أغلب الناس.

a life gird in months

وفي هذا المخطط قمت بملئه ببعض الوقفات المهمة في حياة بعض الرموز والشخصيات المشهورة

a life gird in months for some pepale achevments

وفي هذا المخطط وضعت فيه أعمار لبعض الشخصيات المشهورة عند وفاتها

a life gird in months for famous deaths

هذه المخططات تتكون من 1200 شهر أي ما يعادل المئة سنة إذا أخذنا في عين الإعتبار حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام (أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ) وأخذنا بالدراسات الأخيرة عن التعداد السكاني ومتوسط الأعمار المتوقعة لأغلب الدول العربية سنجد أننا لن نتمكّن في الغالب من ملئ هذا الجدول بالكامل إنما يتراوح ما سنصل اليه من العمر بين الستين والسبعين والأعمار بالتأكيد بيد الله وهو أدرى وأجل وأعلم.

ما أريد توضيحه هو أن الوقت سلاح محدود وأن الحياة قصيرة، إذا كنت على سبيل المثال شاب في عمر العشرينيات فأنت على الأغلب قد فرغت من ثلث حياتك وإذا كنت في الثلاثينات فالنصف قد إنتهى وهكذا...

وإذا أردت بعض الدقة على هذا المخطط ولنتمكّن من تحديد الدائرة التي تمثل لنا هذا الشهر الذي نحن فيه الأن قمت بكتابة هذا البريمج البسيط الذي يقوم بحساب عدد الأشهر التي قضيناها ويقوم بتمثيلها لنا على شكل الدوائر الحمراء
فقط قم بإدخال تاريخ ميلادك لترى المخطط الخاص بك:


مخطط المئة سنة الخاص بك

  1. 10

  2. 20

  3. 30

  4. 40

  5. 50

  6. 60

  7. 70

  8. 80

  9. 90


الموضوع قد يكون صادم قليلاً لكنه واقعي جداً قد نغفل أحيانا عن جريان الوقت ولا ننتبه له إلا بعد فوات الآوان...

هناك أناس يعيشون وكأنهم سيخلّدون في الأرض، وكأن هذا الوقت المهدر في المقاهي وفي اللعب سيجدون وقتاً غيره يعوضون به، ولا يدرك هؤلاء جريان حياتهم كمجرى السحاب ولا يدرك أحدهم أنه يكبر ويشيخ,
الوقت سلاح عظيم منحنا إياه الله تعالى وهو أعظم سلاح امتلكته البشرية، باستغلاله عمّرنا الأرض وغزونا الفضاء واخترعنا المخترعات واكتشفنا الاكتشافات.
باستغلال هذا السلاح يمكننا الفوز بالمعركة، أما بإهداره فلن نكون إلا لحما طازجا مستعدا للتقطيع!

بإختصار؛ الحياة بضعة أيام فاستغلها.


إذا أعجبتك هذه التدوينة يمكنك
أن تأخذ جولة في عالم الأحجام المختلفة هنا
أو يمكنك القراءة عن الكافيين هنا