جعفر صديقي و ظاهرة دننج كروجر

هذا أحد زملائي في تجارة المخدرات… جعفر !

جعفر001

شخصية جعفر مزعجة حقا , عادة ما تنتهي جميع محادثاتنا بالشكل الأتي :
-- جعفر كم قطعه تظن أنك ستبيع هذا الاسبوع
-- قطعة ؟ هل تمزح معي , لن تقل مبيعاتي عن صندوقين هذا الاسبوع

وتنتهي السنة و لم يبع جعفر إلا ثلاث قطع لأحد أقاربه !

دائما ما يقيّم جعفر نفسه بشكل مفرط , في كل لحظة يظن نفسه بأنه يعرف كل شيء , فمرة يعرف كل متطلبات السوق جيدا و مرة اخرى يظن انه محترف في تقنيات التسويق و لا أخفي عنكم طبعا عدد المرات التي ادّعى فيها أنه يعرف الطريق عند قيادة السيارة و ينتهي بنا المطاف للجوء إلى خرائط قوقل في احسن الاحوال او الى نفاذ الوقود في منتصف الطريق ((هذا جزاء بيع الممنوعات!))

ةثث

ومن هنا بدأ فضولي حول حالة صديقي المستعصيه و بدأت التساؤلات تدور حول رأسي . لماذا يقيّم الناس أحيانا أنفسهم بشكل مفرط , هل هو الغرور أم أنه شيء آخر , و لما قد يدّعي أحدهم المعرفة و هو خلاف لذلك ؟

فبعد البحث المطول عن الأمراض النفسية توصلت الى هذا البحث المنشور عام 1999 في مجلة Journal of Personality and Social Psychology
رابط الدراسة /www.ncbi.nlm.nih.gov

واتضح لي بأن جعفر و بكل أسى أحد المصابين و بشدّة بظاهرة تأثير دننج وكروجر (Dunning-Kruger effect)

ظاهرة تأثير دننج وكروجر

في الدراسة المشار إليها بالأعلى توصل اثنان من علماء جامعة كورنيل الأمريكية الى رسم العلاقة بين الكفاءة والثقة حيث وضحت هذه العلاقة بأن جعفر اعني ذوي القدرة المنخفضة هم على الاغلب من يبالغون في تقدير قدراتهم الى اقصى حد و يميلون الى تقييم معرفتهم بتقييم يصل لمستوى الخبراء .

007

وكما هو مبين بالرسم أيضا , كلما زادت الخبرة و المعرفة لدى أحدهم قلّت معها ثقته في معرفته إلى أن يصل لنقطة الانقلاب التي يبدأ فيها التناسب الطردي بين المعرفة و الثقه و كما هو مبين في الرسم ان الخبير مهما زادت معرفته فلن تصل ثقته للثقة الزائدة التي يمتلكها قليلو المعرفة

و في دراسة ايضا أجريت على مهندسي برمجيات لشركتين مختلفتين و عند الطلب منهم إعطاء تقييم عادل لأنفسهم و مساهماتهم في الشركه كانت المفاجأة بأن 32% من موظفي الشركه الاولى و 42% من مهندسي الشركة الثانية وضعوا أنفسهم كأفضل 5% من عدد موظفي الشركة وفي دراسه اخرى 88% من سائقين امريكين وصفوا أنفسهم بأنهم يملكون مهارات قياده فوق المتوسط ,

003 فلا أحد يستغرب فإن هذه الأرقام ناتجة عن التقييم الزائف و الاحساس بالافضلية لدى قليلي الكفاءة

و لكن ما هو مثير للاهتمام حقا أن العلاقة بين المعرفة- و بين الثقة التي رسمها دننج وكروجر توضح أنه كلما زادت المعرفة قلّت الثقة و كلما زادت المعرفة زاد اليقين لدى الإنسان بعدم إلمامه بالعلم

اذا السؤال الآن لماذا يميل الخبراء إلى التقليل من أنفسهم ؟
دعونا بداية نوضح ما هي المعرفة و لتوضيحها لنتخيل أن هذه النقطة تمثل انسان خالي من المعرفه و التجارب والخبرة أي كما ولدته أمه 004

يقوم ذلك الشخص بالتعرف على العالم و تعلم النطق والمشي من ثم يدخل المدرسه الابتدائيه و بعدها الاعداديه و يفشل في صف العلوم ليعيد السنة و ينجح و يدخل الثانويه إلى أن يتخرج ويحصل على الشهادة الثانوية هنا نستطيع أن نقول بأنه قام بتوسعة دائرة معرفته ومداركه لتصبح هكذا: 005

و يدخل من بعدها الجامعه و يتخصص في مجال معين هندسة الحاسوب مثلا ومن هنا تبدأ الدائرة المعرفية بالتشكّل لتأخذ الشكل الذي يختلف من إنسان لأخر و التي تميز العقول عن بعضها 006

نعم "إنه التخصص"

يكمل صديقنا الجامعه و يحضر الماستر و الدكتوراه و يخصص معظم وقته في مجاله الذي اختاره (في الحقيقه انا من اختاره له) و يصبح خبير لا يشق له غبار في هندسة الحاسوب drawing

في هذه النقطة تحديدا يكون معظم الناس حول هذا المبرمج العظيم يعلمون جيدا عظمة هذا الرجل و مدى حنكته في البرمجة و جزالته في ربط الشبكات ببعضها و قوة بصيرته في حل المشاكل البرمجية و لكن هذه ليست الفكرة التي بعقل صديقنا

فبعد أن غاص صديقنا في مجال الحاسب و بدأ يعرف كم هو كبير ذلك العلم بدأ يدرك رويدا رويدا ان ما تعلمه هو لا يزال الشيء الضئيل بالمقارنة بما يجهله في هذا المجال وعندها يدرك الصورة الحقيقية للمعرفة و الخبره التي يمتلكها drawing

ولذلك يقول الإمام الشافعي

كلَّما أدَّبَنِي الدّهْـــرُ ... أَرانِي نَقْصَ عَقْلِي
وإذا ما ازدَدْت عِـلـْماً ... زادنِي علْماً بِجَهْلي

يميل الخبراء عادة و اصحاب المعرفة الواسعة الى التواضع , فالعلم لا يزيد المرء إلا تواضعا كما يقال و هذا يرجع في المقام الاول الى ان الانسان كلما زادت معرفته زاد يقينه بأن العلم بحر لم يدرك قاعه, فلا يعلم عمق البحر أحد كما يعلمه الغطاس